Section outline
-
المحاضرة الأولى : مفاهيم عامة حول الإستراتيجية
المبحث الأول: الإستراتيجية وتطورها التاريخي.
يصعب على الكثير منا تحديد مفهوم دقيق للإستراتيجية، وقد نستخدم لفظ إستراتيجية عفويا للتعبير عن أشياء قد لا تعنيها فعلا، لهذا سنحاول فك الغموض الذي يكتنف هذا المصطلح من خلال هذا المبحث والمباحث اللاحقة.
المطلب الأول: مفهوم الإستراتيجية.
لقد مر مفهوم الإستراتيجية بعدة مراحل منذ نشوئه الذي كان في المجال العسكري، إلى أن انتقل إلى مجال التسيير والإدارة، وحتى عصرنا الحالي عصر العولمة.
الفرع الأول: الإستراتيجية في المجال العسكري.
يعتبر المجال العسكري الموطن الفعلي للفظ الإستراتيجية، حيث كان أول مجال تستخدم فيه كلمة إستراتيجية، هذه الأخيرة مشتقة من كلمة STRATEGOS)) ، والتي تعني فن قيادة القوات، وساد هذا المفهوم لمدة طويلة، وبالتالي اعتبرت الإستراتيجية مجرد فن يمارسه القادة الموهوبون عن حدس وعبقرية، و أنه ليس لها قواعد ونظريات علمية، إلى أن أصبحت الحروب مخططة، فجاء الكاتب العسكري البريطاني ليدل هارن فعرفها أنها " فن توزيع واستخدام مختلف الوسائل العسكرية، لتحقيق هدف السياسة "[1]، حيث يرى بأن الهدف ليس هو الانتصار في المعركة، بل الهدف هو البحث عن وضع إستراتيجي ملائم، حيث إذا لم يؤدي إلى النصر فإنه يخلق ظروفا ملائمة لمعركة تأتي بعدها وتنزع النصر حتما. وقد قدم كلوز ويت كارل Clause witz Carl 1780- 1830 تعريفه للإستراتيجية بأنها: " فن استخدام المعارك كوسيلة لتحقيق أهداف الحرب[2]
كما قدم ماو تسي تونغ مفهومه للإستراتيجية " حيثما كانت الحرب يوجد وضع كلي للحرب، وأن دراسة القوانين الموجهة للحرب والتي تتحكم في وضع الحرب الكلي هي مهمة علم الإستراتيجية ".[3]
وبالتالي ارتبط مفهوم الإستراتيجية بشكل كبير بالخطط المستخدمة لإدارة قوى الحرب، ووضع الخطط العامة في المعارك، هذا بالنسبة للمجال والميدان الذي أنشئت فيه، حيث لم تبق حكرا على هذا الميدان، فانتقلت إلى مجال الإدارة والتسيير الذي أخذ هذا المفهوم بكل ما يعنيه في مجال نشوئه، حيث كان هذا جليا من خلال الإستراتيجيات العسكرية كالهجوم، الالتفاف والمحاصرة التي استخدمتها كبريات الشركات في المجال الاقتصادي.
الفرع الثاني: الإستراتيجية في مجال إدارة الأعمال.
بعد الحرب العالمية الثانية تم انتقال مفهوم الإستراتيجية إلى مجال الإدارة والتسيير، فكان العالمين فون نيومان ومورجنتسن هما الرائدان في استخدام هذا المفهوم في مجال إدارة الأعمال، حيث أكدا أن المنظمة تكون استراتيجية، إذا تحركت لمواجهة المواقف المتغيرة الذي هي فيه[4]، ثم توالت الكتابات حول الإستراتيجية، وأخذت حيزا كبيرا من اهتمام علماء الإدارة و الاقتصاد, وسوف نورد بعض اهم تعاريف الإستراتيجية :
يرى دراكرDRUKERأن الإستراتيجية هي" تحليل الموقف الحاضر وتغييره إذا تطلب الأمر ذلك، ويدخل في ذلك تحديد ماهية ومقدار الموارد الأولية الأزمة " [5].
ويعرفها ايغور اينسوف I.INSOF بأنها " قيادة تغييرات العلاقة بين المؤسسة ومحيطها، وكذا حدود هذا النظام مع مالا ينتمي إليه "[6].
كما يعرفها ثيتار E.A.THIETERT بأنها " مجموعة القرارات والأفعال المتعلقة باختيار الوسائل والموارد لتحقيق الأهداف "[7]. وعرض "شاندلر 1962 Chandler" مفهومه للإستراتيجية كما يلي : " الإستراتيجية هي تحديد الغايات الأساسية طويلة الأمد للمنظمة, واختيار خطط العمل, وتخصيص الموارد الضرورية لتحقيق هذه الغايات"[8]
و يعرفها سكولز وجونسون H.SCHOLES G.JOHNSON على أنها " مجموع التوجيهات المتعلقة بأنشطة المنظمة في المدى الطويل، بهدف الحصول على ميزة تنافسية انطلاقا من تعبئة الموارد في محيط متغير ، بهدف تلبية احتياجات السوق ورغبات مختلف الأطراف الفاعلة في المنظمة "[9].
لو نظرنا إلى هذه التعاريف نجد أن كل تعريف ينظر للإستراتيجية من جهة مختلفة، فمثلا دراكر يركز أكثر على المحيط دون أن يحدد عناصر هذا المحيط بدقة، فيما أن تيتار ركزعلى الجوانب الاجتماعية، ويرى بأن السياق الاجتماعي هو أبرز متغيرات المحيط، أما سكولز وجونسون فيضيفان الأطراف الفاعلة في المؤسسة، والتوفيق بين أصحاب المصالح في الشركة هو احد اكبر اهتمامات الإستراتيجية.
وتعددت التعاريف للإستراتيجية، وسنحاول في الجداول التالية عرض أكثر التعاريف التي تعرضت لها الاستراتيجية.
الجدول رقم 01:المرحلة المبكرة لتحديد مفهوم الاستراتيجية.
الباحث
المفهوم
VON NEUMANN ET MORGENSTER
1947
سلسلة من التصرفات التي تقوم بها المنظمة، والتي تتقرر بناءا على الموقف المعين.
DRUCKER.1954
تحليل الموقف الحاضر وتغييره إذا تطلب الأمر، ويدخل في ذلك تحديد ماهية ومقدار الموارد.
CHANDLER. 1962
تحديد الغايات الأساسية طويلة الأمد للمنظمة،وتبني طرف التصرف وتخصيص الموارد الضرورية لتحقيق هذه الغايات.
ANSOFF.1965
قاعدة اتخاذ القرارات وتجديد تشكيلة المنتجات والأسواق، واتجاه النمو والخبرة التنافسية،
وأثر العولمة.
CANNON .1968
القرارات الموجهة للتصرف التي تحتاجها المنظمة تنافسيا لتحقيق أغراضها.
المصدر: كاظم نزار الركابي ، مرجع يابق، ص34
الجدول رقم02: مرحلة بلورة مفهوم الاستراتيجية .
الباحث والمصدر
المفهوم
ANDREUS .1969
نمط الأهداف والغايات والأغراض والسياسات الرئيسية،والخطط لتحقيق هذه الغايات مصاغة بطريقة لتحديد نشاط الأعمال،الذي تراد له المنظمة،أو ستزاوله في المستقبل،ولتحديد نوعية المنظمة حاليا،أو ما ستكون عليه في المستقبل.
NEUMAN ET LOGAN .1971
عبارة عن الخطة المتطلعة للمستقبل التي تتوقع التغيير وتنشئ التصرف اللازم لانتهاز الفرص المتضمنة في مهمة المنظمة .
SCHENDEL ET HATTEN1979
الاستراتيجية هي الغايات الأساسية وأهداف التنظيم،وبرامج التصرف الرئيسية المختارة،لتحقيق هذه الغايات والأهداف والنمط الرئيسي لتخصيص الموارد المستخدمة لربط التنظيم ببيئته.
VYERHHOVEN ET AL 1973
توفر الاستراتيجية كلا من التوجه والتماسك للمشروع،وتتألف من عدة خطوات: ملخص استراتيجي،وتنبؤ استراتيجي،ومراجعة الموارد،والبدائل الإستراتيجية،واختبار الملاءمة،والاختبار الاستراتيجي.
ACHOFF.1974
تختص الاستراتيجية بالأهداف طويلة الأمد، وطرق تحقيقها التي تؤثر في النظام ككل.
المصدر: كاظم نزار الركابي،مرجع سابق،ص35
الجدول رقم 3: مرحلة النضج لتحديد مفهوم الاستراتيجية.
الباحث والمصدر
المفهوم
MC CARTHY ET AL.1975
تحليل البيئة واختيار البدائل الاقتصادية التي توفق بين موارد المنظمة وأهدافها عند مستوى خطورة ، يبرره الربح وإمكانية تحقيق البدائل نفسها.
PAIMS NAEMES1975
نشاط أو نماذج رئيسة معينة،لتحقيق أهداف مشتركة.
CLUECH.1976
خطة موحدة وشاملة،ومتكاملة مصممة لضمان تحقيق أهداف المنظمة الأساسية.
MCNICHOLAS .1977
تنغمس الإستراتيجية في صياغة السياسة،أنها تؤلف سلسلة من القرارات التي تعكس التصميم على أهداف العمل الرئيسية، والاستفادة من المهارات والموارد لتحقيق هذه الأهداف.
STEINER ET MINER.1979
تلاحم مهمة المنظمة ،ووضع أهداف التنظيم في ضوء القوى الداخلية، وصياغة السياسات المحددة لتحقيق الأهداف، وتأمين تطبيق ملائم لتحقيق أغراض وأهداف التنظيم.
MINTZBERG1979
قوة وسيطة بين التنظيم والبيئة، أنماط متلائمة في خضم القرارات التنظيمية التي تتعلق بالبيئة.
SCHEUDL ET HOFER1979
التلميح الموجه للتنظيم الذي يسمح له بتحقيق أهدافه، بينما يستجيب للفرص والمخاطر في بيئته.
GLUECK:1980
خطة موحدة شاملة تربط بين المزايا الاستراتيجية للمنظمة، ومع تحديات البيئة وهي مصممة لضمان تحقيق أهداف المنظمة.
BRANTT:1980
بيان ملخص لكيفية السعي نحو الأهداف.
THONAS:1988
خطط وأنشطة المنظمة التي يتم وضعها بطريقة تضمن خلق درجة من التطابق بين رسالة المنظمة وأهدافها، وبين هذه الرسالة وبيئتها بصورة فعالة.
HENDERSON:1989
بحث مدروس متأن لحطة عمل تؤدي إلى تطوير الميزة التنافسية للمنظمة وتضاعفها.
BOUMAN1990
إطار يحدد أهداف المنظمة في مجال تحديد الأسعار،والتميز بالمنتجات أو الخدمات، بحيث تتمكن المنظمة من بناء مركزها التنافسي، ومواجهة قوى التحليل الهيكلي المتمثلة بالمنافسين والمشترين، وتهديدات الدخول.
PORTER1980-1985-1990-1997
إن لكل منظمة استراتيجية تنافسية شاملة،هي خليط للأهداف الموضوعة من قبل المنظمة، ووسائل تحقيقها.
المصدر: كاظم نزار الركابي, مرجع سابق, ص ص36-37.
يبين لنا هذا الجدول مفهوم الاستراتيجية لدى الكثير من المهتمين، ويعطي لنا نظرة حول تطور المفهوم منذ نشأته إلى الآن، كما قسم لنا الكاتب كاظم الركابي هذا الجدول إلى ثلاثة أقسام، معبرا على أن مفهوم الاستراتيجية مر بثلاث مراحل:
المرحلة المبكرة: كانت عبارة عن محاولات أولى لتحديد مفهوم الاستراتيجية، أي محاولات ريادية، حيث حصرها الكاتب بين النصف الثاني من الأربعينيات لغاية منتصف الستينات، هذه المحاولات لتحديد مفهوم الاستراتيجية كانت بنظرة ضيقة نوعا ما، وينقصها الشمولية كما نرى عند أنسوف 1965، الذي يصف الاستراتيجية على أنها قاعدة اتخاذ القرارات للمنظمة فقط؛ وهذا دليل على قصور هذه المحاولات الأولية في تحديد مفهوم كامل للاستراتيجية.
مرحلة البلورة: في هذه المرحلة أصبح المفهوم أكثر وضوحا، وبدأ فيه تحديد للعمليات التي تهتم بها الاستراتيجية من وضع الأهداف والغايات، والأغراض الرئيسية، والتحليل الاستراتيجي، والتنبؤ والاختيار، وكذلك عملية التنفيذ والرقابة الاستراتيجية.
مرحلة النضج: في هذه المرحلة بدأت تظهر التفرقة بين المستوى الاستراتيجي والمستوى الوظيفي أكثر، كما اهتمت بعملية الاختيار الاستراتيجي وضرورة التوافق بين الأهداف الاستراتيجية المختلفة، كذلك أهمية نمط استخدام الموارد والهيكل التنظيمي باعتبارها أحد مقومات الاستراتيجية.
من كل ما سبق يتبين لنا أن الاستراتيجية تتمثل في مختلف القرارات والتوجيهات الطويلة المدى التي تتبناها المؤسسة،من أجل ضمان وتطوير تفوقها التنافسي، وضبط علاقاتها مع تغيرات مختلف عوامل المحيط ، وكذا التوفيق بين مختلف مواقف أصحاب المصلحة فيها.
الفرع الثالث:الاستراتيجية في عصر العولمة.
إن التعريفات السابقة للاستراتيجية ركزت على عملية التخطيط للمستقبل، هذه الفكرة انتقدها منتزبرغ بشدة، حيث أوضح أن هذه التعريفات تعتبر أن الاستراتيجية هي دائما نتاج عملية التخطيط، وهذا في رأيه غير صحيح، لأن الاستراتيجية قد تنتج أو تظهر للوجود من داخل المنظمة، و دون أي عملية تخطيط، والشكل التالي يوضح فكرة منتز برغ.
الشكل رقم 01: الاستراتيجية المقصودة وغير المقصودة عند منتز برغ.
استراتيجية مخططة
استراتيجية متعمدة
استراتيجية محققة
استراتيجية غير محققة
استراتيجية غير مقصودة
SOURSE :R.A.THIETART, LA STRATEGIE D`ENTREPRISE.OP.CIT.P12.
يرى منتز برغ أن الاستراتيجية لا تنتج من عملية التخطيط فقط، فقد تنتج الاستراتيجيات الناجحة من عمق المنظمة من خلال الممارسة والخبرة، وبالتالي تتكون الاستراتيجية من مزيج من الاستراتيجيات المقصودة وغير المقصودة.
من هذه الفكرة يرى منتز برغ أنه لايجب النظر إلى الاستراتيجية من وجهة نظر واحدة، أي لا تعتبر الاستراتيجية كخطة فقط، بل يجب أن تتعدد الزوايا التي تنظر منها إلى الإستراتيجية، وأطلق على إنجازه هذا مصطلح: " الخمسة نقاط five p`s " حيث يرى بأن الاستراتيجية هي:[10]
أولا /خطة: أي أنها يمكن أن تكون عملا مخططا واعي ومقصودا للتعامل مع متغيرات المحيط، لضمان الوصول إلى أهداف المنظمة.
ثانيا/ مناورة: وهنا يراد بها خداع الخصم أو المنافس باستخدام بعض المناورات لتغليط المنافس، ويبقى الهدف دائما هو تحقيق أهداف المنظمة.
ثالثا/ نموذج: ينظر إلى الاستراتيجية كنموذج، أي نموذج سير النشاطات داخل المنظمة، والممارسة العملية، لتصبح هذه الممارسة مع مرور الزمن نموذج يسير عليه الأفراد داخل المنظمة.أو "مسار, دليل أو مخطط للأنشطة المستقبلية, طريق موجه للمؤسسة من نقطة إلى أخرى".[11].
رابعا/ موقف :أي هي وسيلة لتحديد موقف المنظمة في البيئة التي تعيش فيها، ويصبح الهدف من الاستراتيجية هي الموائمة بين المنظمة وبيئتها.[12]
خامسا/ الاستراتيجية كتصور: أي تصور المنظمة في المستقبل وإعطائها شكلا نموذجيا في المستقبل، ومحاولة تحقيق هذا النموذج.
نلاحظ من خلال هذه النقاط أن منتز برغ وفق إلى حد بعيد في تحديد مفهوم الاستراتيجية، حيث تعددت الوجهات التي نظر منها إلى الاستراتيجية، وهذا واقع في حياتنا العملية
1- كاظم نزار الركابي, الإدارة الإستراتيجية- العولمة والمنافسة, الطبعة الاولى، الاردن, دار وائل للنشر, 2004، ص22.
3- ثابت عبد الرحمان إدريس, جمال الدين محمد مرسي, الإدارة الاستراتيجية, مصر, الدار الجامعية, 2003, ص22.