Section outline

  • المحاضرة الثانية : المنظمات العمومية و عملية الادارة الاستراتيجية فيها

    المبحث الأول: مفهوم الهيئات العمومية و خصائصها .

    يعتبر القطاع العام أحد دعائم الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية في المجتمع إن لم نقل أهمها , حيث أصبحت المنظمات العمومية أداة هامة في يد الحكومة لتنفيذ سياساتها التنموية وظهرت هذه المنظمات في المجتمعات الرأسمالية و الاشتراكية على حد سواء , كما ظهرت في الدول النامية و الدول المتقدمة دون تمييز, حيث بعد نهاية الحرب العالمية الثانية, أخذت البلدان النامية و المتقدمة بتكوين هذا النوع من المنظمات,وأعطتها أدوارا هامة تؤديها في مجال المرافق والخدمات العمومية والنشاطات الزراعية و الصناعية و الخدمية لدعم التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية .

    مطلب1: تعريف الهيئات العمومية :

    يوجد هذا النوع من المنظمات في كافة أقطار العالم سواء النامية أو المتقدمة, وقد اختلف الكتاب في إعطائه تعريف موحد نظرا لاختلاف القوانين من بلد لأخر و الألفاظ المعبرة عنه أيضا. 

    حيث هناك من عرفها بأنها" مصطلح يستخدم مرادفا للمشروع العام التي يتمتع فيها القطاع العام بأغلبية في الملكية و السيطرة "[1]

    كما عرفها آخر بأنها " كل مشروع يعجز أو يحجم الأفراد و الجماعات الخاصة عن القيام به, إما لضخامة ما يتطلبه من موارد وإمكانيات , أو لانعدام الربح الممكن تحقيقه, فهي مشروع يمثل منفعة عامة ويستفيد منه المجتمع ككل "[2] وعرفت أيضا بأنها " كيان قانوني تنشئه الدولة له شخصية اعتبارية واستقلال مالي وموازنة منفصلة مستقلة "[3].

    نلاحظ في التعريف الأول أنه يرى أن كل منظمة يملك القطاع العام الأغلبية في الملكية و السيطرة هي هيئة عمومية وجعلها مرادفا لمشروع عام أو عمومي دون أن يعطي طابع  نشاطها اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي, حيث يرى أساس الهيئة العمومية هي الملكية و السيطرة على التسيير, و هو ما ذهب إليه التعريف الثاني حيث يرى بأن كل المجالات التي يعجز القطاع الخاص ويحجم عن القيام بها وتقوم الدولة بها هي مجالات الهيئات و المنظمات العمومية حيث يفضل الكاتب كلمة منظمة عمومية . أما التعريف الثالث الذي أعطى صبغة قانونية على التعريف و يرى بأنها كيان قانوني يتمتع بالشخصية الاعتبارية و الاستقلال المالي.

    واستخدمت ألفاظ عديدة للتعبير عن الهيئات العمومية كالمشروع  العام و المنظمات العمومية و غيرها, لكن قد يكون لفظ مشروع عمومي يدل أكثر  على الطابع الاقتصادي للمنشأة, أما كلمة المنظمة العمومية فتشتمل جميع القطاعات الاقتصادية, الاجتماعية, الثقافية  في حين قد تعبر الهيأة العمومية أكثر على الطابع الاجتماعي أو الخدمات الاجتماعية التي يستفيد منها المجتمع كالتعليم والصحة, النقل وتعبر أيضا عن مصالح حكومية أو إقليمية كالبلدية و الولاية التي تقوم بخدمة المجتمع بدون مقابل, وتقدم خدمات إدارية أو اجتماعية لأفراد المجتمع على حد سواء وتشكل الهيئات العمومية أحد أنواع المنظمات العمومية .

     

    مطلب 2: خصائص الهيئات العمومية :

    تمتاز الهيئات العمومية بعدة خصائص نذكر منها :[4]

    1-             تقدم الهيئة العمومية خدمة عمومية في محيط قانوني منضبط يحدد بشكل دقيق مهام الهيئة , مواردها و كيفيات توظيفها و هو ما يجعل هامش الحرية لدى المسير العمومي أقل بكثير مما هي عليه في القطاع الخاص.

    2-             تخضع هيكلة الهيئة العمومية و أساليب تسييرها إلى قيود اللوائح التنظيمية الصادرة عن الهيئات المركزية وهو ما يجعل أيضا هامش الحرية التنظيمية لدى المسير يبقى ضيقا حتى في الفعل التسيري نفسه.

    3-             غياب إمكانيات البحث عن تموقع الهيئة وفق متطلبات محيطها خصوصا في الإدارة المحلية وبالتالي تفقد الهيئة العمومية إمكانية التنويع, التكامل, التوسع الجغرافي...الخ

    4-             المناورات الإستراتيجية بمنطق التحالفات أو الشراكة أو التراجع في الاستثمار تغيب في الهيئة العمومية التي تلزمها النصوص القانونية بالاستقرار في مختلف أبعادها من حافظة النشاطات, مجال تدخل و امتداد إقليمي.

    5-             ارتباط ثقافة الهيئة العمومية بصرامة وبيروقراطية الإطار القانوني وانعكاس ذلك على أنماط تسيرها, إذ أن الأفراد يقيدون أنفسهم بدعوى الالتزام القانوني الذي يجعلهم لا يفكرون لا في المبادرات الفردية و لا في الحلول الإبداعية التي تكون غالبا خارج دائرة الصلاحيات القانونية, بل كثيرا ما يوظف الإطار القانوني كذريعة لخنق المهارات التي تفتقد حيويتها مع مرور الزمن, لأن هذه الأخيرة بطبيعتها تزداد حدة مع الممارسة العملية و بالتالي كلما اغفل توظيفها كلما فقدت أهميتها في تحقيق التفوق.    

    6-             أنشطة الهيئات العمومية تخضع إلى رقابة متعددة الأطراف منها الوصاية المباشرة, هيئات الدولة, الشركاء السياسيين, فضلا عن المجتمع المدني بالإضافة إلى هذه الخصائص التي تميز الهيئات العمومية و التي قد تجعل منها مجال مهم للدراسة و التحليل فإن الخدمات التي تقدمها هذه الهيئات و هي الخدمات التي تمتاز بكونها عمومية وضرورية لأفراد المجتمع كافة تمتاز بخصائص هامة تجعل الهيئات العمومية أداة هامة و محل اهتمام و انتقاد أو إشادة من طرف المواطن.

    مطلب 3: أهمية الهيئات العمومية في المجتمع

          تسعى الهيئات العمومية إلى إشباع حاجات عامة لأفراد المجتمع, و التي تمثل في الحقيقة أهداف عمومية تسعى الحكومة تحقيقها للأفراد و الجماعات و هي المبرر الرئيسي لوجودها,وتظهر أهمية الهيئات العمومية من خلال النقاط التالية:[5]

    1-    توفير السلع والخدمات اللازمة لبقاء المجتمع و تحقيق الاستقرار الاقتصادي, وتنمية وزيادة كفاءة السياسة الاقتصادية  المتبعة لضمان النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني, و النمو و الازدهار الاقتصادي للمجتمع.

    2-    تساعد على تحقيق الاستقرار السياسي وحماية النظام الاجتماعي السائد و التعامل مع المشاكل الخارجية وتحقيق أهداف السياسة الخارجية,و حماية المجتمع و الدفاع عنه مثل هيئات الدفاع المختلفة.

    3-    تساهم في نشر التعليم و توفيره لأفراد المجتمع و النهوض بمستوى التعليم في مراحله المختلفة, و نشر الثقافة بين أفراد المجتمع, وتبادل الثقافات مع الشعوب الأخرى.

    4-    تساهم في تحقيق العدل والمساواة و الحرية وما شابه ذلك و نشر الأخلاق الاجتماعية البناءة من خلال هيئات عمومية مختصة في هذا المجال, كما تساهم في إشباع الحاجات الدينية لأفراد المجتمع, من خلال الهيئات الدينية و الثقافية المختلفة.

    5-    تساعد في الحفاظ على الصحة العامة وتحسينها و مكافحة الأمراض و الأوبئة وتحصين الأطفال من الأمراض المعدية و الخطيرة من خلال المستوصفات و المستشفيات العامة,و مراكز الإسعاف و التأمين الصحي و غير من الهيئات العمومية المختصة في هذا المجال.

    كل هذه العناصر تبين مدى أهمية الهيئات العمومية للمجتمع و الدولة و تبين أيضا مدى تشعب المجالات التي يمكن أن تعمل فيها الهيئات العمومية, التي يمكن أن تأخذ طابع اقتصادي كمصالح الضرائب و الجمارك و التأمين, و يمكن أن تأخذ طابع سياسي أو أمني كالشرطة, الجيش, أو طابع ديني أو صحي كالمستشفيات العمومية, و المستوصفات و مراكز الإسعاف, أو طابع إداري كالبلديات .

    المطلب الرابع: المبادئ التنظيمية للهيئات العمومية.

    تمتاز الهيئات العمومية خاصة و المنظمات العمومية الغير الهادفة للربح عامة ببعض

    المبادئ التنظيمية نذكر منها:[6]

    1-    مبدأ سير الهيئات العمومية بانتظام, و ذلك على أساس أن الخدمات التي تقدمها تعتبر جوهرية أو ضرورية للمواطن , و بالتالي لا يمكن الاستغناء عليها, لهذا تخضع هذه المنظمات لنظام قانوني خاص, كالدوام المستمر أو ضمان الحد الأدنى من الخدمة كالمستشفيات و الجمارك, كما أن بعض الدول تلجأ إلى تحريم الإضراب في منظماتها العمومية لضمان تقديم الخدمات العامة للمواطنين باستمرار.

    2-    مبدأ مسايرة الهيئات العمومية للحاجات المستحدثة, وهذا يعني ضرورة تطوير تلك المنظمات من حيث النشاط الذي تقوم به, ومن حيث الوسائل المستخدمة في إدارتها, وذلك لضمان أنها تتماشى مع الحاجات المتجددة للمواطن و المجتمع ككل.

    3-    مبدأ مساواة الأفراد في الانتفاع بخدمات الهيئات العمومية, حيث متى توافرت لدى الأفراد الشروط التي يحددها القانون للانتفاع بالخدمة العمومية وجبت التسوية بينهم في المعاملة تحقيقا لمبدأ المساواة أمام القانون, و لا يتنافى مع مبدأ المساواة أن توضع شروط عامة ينبغي توفرها في كل من يريد الانتفاع بالخدمة العمومية, كتحديد رسم معين على من يريد الاستفادة من الخدمة أو تحديد مؤهلات خاصة لمن له الحق بالالتحاق بوظيفة عمومية معينة, و يلاحظ أن مبدأ المساواة لا يحرم الإدارة سلطتها التقديرية في أن تختار من بين طوائف الأفراد من يكون قد استوفى شروط الانتفاع, فتلبي طلب البعض دون الآخر, بشرط أن تستند في تصرفاتها إلى اعتبارات المصلحة العامة.

    4-    مبدأ استبعاد هدف الربح, حيث أن هدف الحكومة من وراء إنشاء الهيئة أو المنظمة العمومية هو الوفاء بالحاجيات العمومية للمواطنين, و بالتالي فهي لا تقصد تحقيق الربح و لا تسعى إليه , و لكن لا يقصد من هذا المبدأ أن تقدم الخدمات مجانا, بل كثير ما يكون مقابل دفع رسوم معينة, ولكن هذه الرسوم لا تحصل بغرض الربح بل لتخفيف العبء على الحكومة و ميزانية الدولة.

    وقد يكون المبدأ الأخير أهم مبدأ يميز القطاع العمومي عن القطاع الخاص.

    المطلب الخامس: الفرق بين الهيئات العمومية و المنظمات الخاصة:

      توجد عدة فروق بين القطاع العام و هيئاته و بين القطاع الخاص, حيث يمكن تلخيص هذه الفروق في الجدول التالي:  

     

    الجدول رقم4:  الفرق بين الهيئات العمومية و المنظمات الخاصة .

     

          مجال التفرقة

    الهيئات العمومية

    المنظمات الخاصة

    -         الملكية

    -         الهدف

    -          

    -          

    -         قياس المنافع

    -         الهيكل

    -         الأنشطة

    -         التركيز 

     

    -         مصادر التمويل

     

    -         الرقابة

     

    -          

     

    -         قياس الأداة

    -          

    -         المسؤولية

     

     

    - المناخ السياسي

      

     

    للدولة

    غامض, متعددة الأهداف الاجتماعية

     

    صعب للغاية إن لم نقل غير ممكن

    غالبا يميل إلى المركزية

    محددة

    على تقديم الخدمات للمجتمع

     

    الدولة

     

    مؤسسات سياسية وأجهزة رقابة حكومية

     

    صعب القياس

     

    تجاه مؤسسات سياسية و أجهزة حكومية و أفراد المجتمع

     

    أكثر التأثر بالمناخ السياسي

    للخواص

    واضح: الربح

     

     

    سهل : منافع اقتصادية كمية.

    غالبا يميل إلى اللامركزية

    غير محددة

    على الكفاءة و الفعالية و الاستجابة لطلب السوق

    الخواص. البنوك,العملاء,الأرباح المحققة

    إدارة المنظمة بمختلف مستوياتها(داخلية)

     

    سهل القياس

     

    أصحاب الأسهم, المالكين و أصحاب رأس المال.

     

    أقل تأثر بالمناخ السياسي السائد.

    المصدر: موقف حديد محمد: إدارة الأعمال الحكومية, الأردن , دار المناهج 2002، ص 163بتصرف.

    حيث تعتبر المجالات السابقة  أهم مجالات التفرقة بين القطاعين العمومي والخاص, و يعتبر الهدف أهم فرق بين الهيئات العمومية و المنظمات الخاصة، ففي القطاع الخاص الهدف الرئيسي يحدد بواسطة حاملي الأسهم و مجلس الإدارة و يكون غالبا هو تعظيم الربح وتكون الأهداف الفرعية محددة ضمن إطار الهدف الأول أو الهدف العام, و يمكن قياس هذه الأهداف بسهولة حيث تكون محددة بدقة ووضوح, أما في المنظمات العمومية فالأمر يختلف فعادة المنظمة العمومية تجد صعوبة كبيرة في قياس أهدافها و التي يتم صياغتها في أسلوب أقل تحديدا حيث تكون الأهداف مصاغة بشكل عام كالحفاظ على الصحة العامة أو ترقية مستوى التعليم في المجتمع, كما يوجد فرق أيضا في قياس المنافع حيث أنه يصعب قياس منافع الخدمات العمومية المقدمة للمواطن لأنها ترتكز على المنافع الاجتماعية عكس المنظمات الخاصة التي ترتكز على المنافع الاقتصادية و الربح خاصة الذي يمكن قياسه بسهولة.

    المبحث الثاني : الهيئات العمومية وعملية الإدارة الإستراتيجية :

    تطرقنا في المبحث السابق إلى الهيئات العمومية وخصائصها و أهميتها بالنسبة للدولة و المجتمع مما يجعل الاهتمام بها أمر ضروري من خلال إدخال أساليب الإدارة الحديثة عليها حتى تحقق أهدافها, لهذا فإن موضوع الادارة الاستراتيجية بالنسبة لهذه الشريحة العريضة من المنظمات يمثل أمرا هاما وضروريا, باعتباره ركيزة مهمة في التوجه التطويري الجديد, فهو يبين كيف لهذه المنظمات أن تستفيد من عناصر قوتها ومن ظروفها الخارجية, وهو أيضا يبين مسارات الأحداث المستقبلية البديلة وكيفية استخدامها عمليا, كما يبين المشكلات و العقبات التي يمكن أن تصادف المنظمات إزاء تطبيق هذا المنهج أو باختصار شديد من خلال التخطيط يتمكن مدير المنظمة من تقرير ما سوف يتم عمله ومتى سيتم عمله ومن الذي يقوم بعمله.



    1 - كريستين كسيندر: خصخصة مشروعات البنية الأساسية "المتطلبات , البدائل, الخبرات ،ترجمة : منير إبراهيم هندي ، مصر ، المنظمة العربية للتنمية الإدارية ،1997،ص 62.

    2-على شريف: ادارة المنظمات الحكومية، مصر، الدار الجامعية، 1999، ص39.

    3-كريستين كسيندر: خصخصة مشروعات البنية الأساسية "المتطلبات , البدائل, الخبرات ترجمة : منير إبراهيم هندي ، مصر ، المنظمة العربية للتنمية الإدارية ،1997،ص 62.

    1 -عبد المليك مزهود وأحمد بلعياط : التسيير الاستراتيجي في السياق العمومي مبرراته وأهميته و بعض مظاهر ممارسته ب: المديرية الجهوية للصندوق الوطني للسكن ببسكرة، الملتقى الدولي حول تسيير وتمويل الجماعات المحلية، جامعة الحاج لخضر بباتنة 2004.

    1- ثابت عبد الرحمان إدريس، مرجع سابق ، ص193

    1-علي شريف، إدارة المنظمات الحكومية, مرجع سابق ص ص،54-55