Section outline
-
مطلب1: أهمية التخطيط الإستراتيجي في الهيئات العمومية :
لا شك أن هناك أهمية كبيرة للتخطيط الإستراتيجي في القطاع العمومي أو القطاع الغير الهادف للربح إجمالا, و فوائد يمكن أن نذكر بعضها في النقاط التالية[1]:
1- يساهم في رسم صورة النجاح للمنظمة العامة من خلال الحديث عن مستقبلها وما يمكن أن تكون عليه, وما يجب أن تكون عليه, وذلك من خلال تحديد الرؤية التي تتصورها قيادة المنظمة.
2- تحديد رسالة mission المنظمة وأهدافها الإستراتيجية طويلة المدى, وهذا لا يأتي إلا من خلال تحليل بيئة المنظمة.
3- يساهم في تحديد المهام و برامج التطوير ورسم الأدوار.
4- يرفع من جودة القرارات في المنظمات العمومية باعتبارها منظمات بالغة الأهمية و التعقيد, وعدم تطبيق المفهوم الإستراتيجي في المنضمة الحكومية يعني نشر التكلفة الناجمة عن سوء اتخاذ القرارات[2]
5- إثارة التحديات الفعالة للدور الحكومي, حيث إن مصداقية الحكومة تتمثل في حسن سير منظماتها وجودة الخدمات التي تقدمها, واتخاذ قرارات جيدة على المدى الطويل و التنفيذ الجيد لها, وهذا ما قد يأتي من التخطيط الإستراتيجي [3]
6- مساعدة الإدارة على تحديد معايير للأداء أي يساعد في عملية الرقابة كما يساعد المنظمات الحكومية على التكيف مع متغيرات المحيط.[4]
باختصار شديد يساعد التخطيط الإستراتيجي المنظمات العمومية الغير الهادفة للربح على القيام بأنشطتها ووظائفها بطريقة أفضل حيث يساعد على تكوين مفهوم محدد وواضح للمنظمة وهذا يجعل من الممكن صياغة الخطط و الأنشطة و الوظائف التي تقرب المنظمة أكثر إلى أهدافها التي تسعى إلى تحقيقها, ويساعدها على التعامل مع البيئة المتغيرة بسرعة وذلك في المجال الذي تعمل فيه المنظمات العمومية, ويعتبره البعض نواة التسيير العمومي حيث يدعو بشكل صريح إلى إدماج أدوات التخطيط و الميزانيات و النظرة الإستراتيجية للمدى البعيد في ممارساته[5] , ويزداد المسار الإستراتيجي أهمية في السياق العمومي إجمالا و المحلي خصوصا انطلاقا من كون الهيئات العمومية المحلية هي هيئات سياسية تتخذ خيارات معينة كي تستجيب للاحتياجات قصيرة المدى للأفراد لكن مع رسم مسارات المستقبل أفضل, لتجسيد النظرة الإستراتيجية في هذا السياق بالإجابة على التساؤلات التالية: أين يتجه المجتمع وبعده المحلي خصوصا؟ ما هي اتجاهات تطوره الطبيعية, أين يرغب وكلاء المجتمع الذهاب به؟ انطلاقا من الرهانات المستقبلية ما هي عوامل هذا التطور؟ كيف نجعل الهيئة المعينة تمارس الصلاحيات المحددة لها قانونا بفعالية؟[6].
ومما زاد في ضرورة التخطيط الإستراتيجي وأهميته في السياق العمومي هو ظهور المنافسة لدى هذا القطاع فمثلا في قطاع الصحة المنافسة بين المستشفيات العمومية و نظيرتها الخاصة وحتى بين المستشفيات العمومية فيما بينها لكسب رضا المسئولين وأصحاب المصالح كما في باقي القطاعات التربية و الجماعات المحلية أيضا, حيث تحاول كل منها منافسة نظيراتها في الأقاليم الأخرى و تقديم خدمات ذات جودة من خلال التعامل الجيد مع المواطن طالب الخدمة و تسهيل المهمة له في الحصول عليها وهذا كله لكسب رضا المسؤولين وأصحاب المصالح الذين يهدفون أيضا من وراء تحسين أداء الخدمات العامة إلى إعطاء صورة حسنة للحكومة ، و أصحاب المصالح في المنظمات العمومية متعددة, حيث هناك العديد من الأطراف داخل هذه المنظمات كما هو موضح .
الشكل رقم 6: يوضح أصحاب المصالح في المنظمات العامة .
التوقعات الاجتماعية
الضغوط التشريعية
مجموعة الضغوط السياسية
المنظمات العمومية
الضغوط القضائية الحكومية
الزبائن و المستهلكين
ضغوط جماعة التنفيذ الحكومي
المصدر : فلاح حسن عداي الحسيني، مرجع سابق، ص 292.
حيث لخص الكاتب أصحاب المصالح في المنظمات العمومية في السلطات الثلاث للدولة التشريعية و القضائية و التنفيذية مضيفا توقعات المجتمع لأداء الخدمات العمومية ورأي أيضا المواطن لطلب الخدمة, إضافة إلى ضغوط الجماعات السياسية التي تنشط وتطالب دوما بأداء أحسن للخدمات العامة .
وكل هذه الضغوط تكون مفيدة للمنظمات العمومية التي إذا أخذت بجد أراء كل واحد من هؤلاء, فستقدم خدمات ذات جودة عالية.ويشكل أصحاب المصالح في المنظمات العامة جزءا من بيئتها التي تؤثر على عمليات الإدارة فيها.
المطلب 2: بيئة الهيئات العمومية و تأثيرها على التخطيط الإستراتيجي فيها:
إذا كانت الإدارة من الناحية الوظيفية هي عملية اجتماعية تتضمن القيام بأنشطة معينة, فإن هذه الأنشطة لا تختلف من منظمة إلى أخرى. فجميع المنظمات لا بد لها أن تخطط و تضع السياسات, وتعد برامج العمل, وتعد الميزانيات, وجميع هذه الأنشطة تتماثل أو تتشابه في كل من المنظمات العامة و منظمات الأعمال, و لكن الاختلاف بين الإدارة العمومية أو التسيير العمومي و التسيير الخاص إنما يكمن في خصائص بيئة كل منهما, مما يؤثر على العمليات الإدارية في كل منظمة ومن الناحية البيئية فإن التسيير العمومي هو ممارسة لوظائف و مبادئ التسيير و الإدارة في ظل و من خلال الحكومة في كل مستوى من مستوياتها وهذا ما يؤثر على المنظمات العمومية تأثيرا هاما, يمكن تقسيمه إلى آثار إيجابية وأثار سلبية :
فرع 1: الآثار السلبية :
تؤثر بيئة القطاع العام عليه مباشرة مخلفة عدة آثار سلبية نحاول ذكر أهمها فيما يلي:
1- تأثير الوضع المالي للدولة ككل على الوضع المالي لهيئاتها ومنظماتها و العاملين بها أيضا[7].
2- اهتمام التسيير العمومي واضطلاعه بمسؤولية العديد من المشاكل أو المشاريع الكبرى وغير المربحة [8] , كتحديث المناطق النائية لاستيعاب التكدس السكاني, وتوظيف أعداد كبيرة من أفراد المجتمع للقضاء على البطالة , مما يخلق بطالة مقنعة داخل هذا النوع من المنظمات[9].
3- تتميز الهيئات و المنظمات العمومية بعدم وجود صلة بين الإيرادات التي تحققها و النفقات التي تتحملها بعكس الحال في منظمات الأعمال الخاصة [10] ومعنى وجود هذه الصلة هو إمكانية استخدام الربح كمعيار كمي لقياس الكفاءة, لذلك فإن تقييم منظمات القطاع العمومي يعتبر من أصعب عمليات التقييم و الحكم على الكفاءة فمعيار الربح المستخدم في تقييم نشاط منظمات الأعمال هو انعكاس أو محصلة للعديد من القرارات التي تصدرها, و بالتالي يمكن تقييم نشاط هذه المنظمات من واقع مدى التأثير الإجمالي لتلك القرارات على الربحية .
وعلى العكس من ذلك فإن نشاط المنظمات العمومية لا يهدف للربح أساسا,و حتى الإيرادات في حالة زيادتها فقد لا يكون نتيجة الكفاءة في الأداء بل قد يكون مصدرها القانون كزيادة مبالغ الرسوم و الضرائب, لهذا يعوض معيار الربح في تقييم الأداء بمعايير أخرى, إلا أن هذه المعايير هي معايير عامة و غير كمية ودقيقة كالعدالة في تقديم الخدمة و المساواة بين المواطنين وتوضع في عبارات شاملة كالرفع من المستوى التعليمي أو لتحسين الحالة الصحية للمواطن, هذه كلها عبارات لا يمكن قياسها
فرع 2: الآثار الإيجابية :
على العكس مما سبق, هناك بعض الآثار الإيجابية التي تحقق للمؤسسات العامة مزايا تنفرد بها مقارنة بالمؤسسات الخاصة, نذكر منها :
1- امتلاك مصادر مالية غير محدودة تؤهلها لطرق أي مجال يستحق المبادرة و ذلك من خلال قدرة الدولة على فرض و تحصيل الضرائب من المواطنين.
2- احتكار الشريحة القانونية, وهذا يعني أن هذه المنظمات باعتبارها خاضعة لملكية الدولة و جزءا من السلطة التنفيذية, تقوم بدور الممثل الشرعي لصالح المجتمع, بعكس المؤسسات الخاصة التي تسعى لتقوية مركزها بما يمكنها من أن تصبح قوة مؤثرة في المجتمع,و لكن الهدف الخاص وراء هذه المحاولات هو الربح مما يجعلها في مركز أضعف بالمقارنة بالمؤسسات العمومية
المطلب 3: عمليات التخطيط الإستراتيجي في القطاع العمومي :
مما لا شك فيه أن خصائص بيئة القطاع العمومي تجعل من عملية التخطيط الإستراتيجي داخل هيئاته تختلف نوعا ما عن مثيلتها في المؤسسات الخاصة الهادفة للربح, لكن تبقى السمات الكبرى مشتركة لكن عند القيام بها يجب فقط مراعاة خصائص الهيئات العامة المذكورة سابقا حتى تحقق عملية التخطيط الإستراتيجي الهدف المنوط بها, ويمكن إعطاء نموذج عملي للهيكل الخاص بالإستراتيجية و القابل للتطبيق على الأجهزة العمومية أو الوزارات و المصالح و الهيئات العمومية, وفيما يلي المراحل المختلفة التي يتكون منها هذا الهيكل:[11]
أولا : توصيف وتشخيص الوضع القائم:
وتحتوي نقطة توصيف وتشخيص الوضع القائم على النقاط التالية :
أ- توصيف وتشخيص الوضع الحالي في المنظمة:
- تاريخ المنظمة .
- طبيعة نشاطها وحجمها.
- أهدافها وسياستها.
- هيكلها التنظيمي القائم.
- حجم ونوع القوة العامة.
- موارد المنظمة المالية .
- الإمكانيات و التسهيلات المتاحة .
- المشكلات التي تعاني منها حاليا.
- اتجاهات و آراء المسؤولين و العاملين نحو المشكلات موضوع الاهتمام في الإستراتيجية
- نظم الاتصال المستخدمة .
- نمط و أسلوب الإدارة المتبع.
- مقترحات العاملين المسؤولين لمعالجة المشكلات موضوع الاهتمام و التطوير
- استعداد العاملين و المسؤولين للتغيير و التطوير.
ب/ توصيف و تشخيص الوضع الحالي لبيئة المنظمة الخارجية:
- التغيير ذو العلاقة في القوى البيئية المختلفة و ذات التأثير على المنظمة.
- علاقات المنظمة بالأطراف ذات الاهتمام المباشر و غير المباشر (المواطنين,بعض الوزارات , بعض المنظمات المحلية........إلخ).
- الانطباع الذهني عن المنظمة و خدماتها لدى الرأي العام.
- اتجاهات المستفيدين من خدمات المنظمة نحو جودة هذه الخدمات.
- القيود و التهديدات الحالية و المتوقعة في البيئة ذات العلاقة المباشرة و غير المباشرة بالمنظمة.
ج/ ملخص بمرحلة التوصيف و التشخيص يوضح ما يلي:
- مجالات القوة و الضعف في المنظمة
- الفرص المتاحة أمام المنظمة في البيئة المحيطة.
- التهديدات الحالية و المتوقعة في البيئة المحيطة.
- طبيعة وحدود المشكلة التي تعاني منها المنظمة و التي سوف يتم التركيز عليها عند تصميم برامج و مشروعات الإستراتيجية .
ثانيا: الرؤية الإستراتيجية و رسالة المنظمة:
قد يعتبر البعض أن هذه الخطة ينبغي أن تكون الأولى و تسبق مرحلة التحليل و التشخيص و هناك من يرى أنها تأتي بعدها, لكن المهم في الموضوع هو التكامل فيما بين المرحلتين وليس الترتيب, وتشمل هذه المرحلة على :
- بلورة الرؤية الإستراتيجية للمنظمة خلال السنوات الخمس أو العشرة القادمة, و التي تعبر عن فلسفة المنظمة ودورها في القطاع العمومي.
- صياغة رسالة المنظمة بما يعكس أسباب قيامها و مهامها وقطاعات المجتمع التي تقوم بخدمتها, و الغايات العامة التي تسعى إليها من خلال الخدمات المقدمة للمجتمع.
ثالثا: تحديد الغايات و الأهداف الإستراتيجية:
- في ضوء الرؤية الإستراتيجية و الرسالة يتم تحديد الغايات العامة المرغوب تحقيقها من جانب المنظمة في الأجل الطويل .
- تحديد الأهداف الإستراتيجية التي تنطوي عليها كل غاية من الغايات العامة التي سبق الاتفاق عليها .
رابعا: البرامج و المشروعات المقترحة لتحقيق الغايات و الأهداف الإستراتيجية:
- تصميم البرامج اللازمة للإستراتيجية , حيث أن كل برنامج يتضمن مجموعة من مشروعات التطوير أو التغيير لتحقيق غاية عامة محددة و الأهداف الإستراتيجية الخاصة بها.
- صياغة المشروعات الخاصة بكل برنامج أمكن التوصل إليه, ويمكن أن تحقق أهداف هذا البرنامج.
خامسا: تحديد متطلبات تنفيذ برامج ومشروعات الإستراتيجية :
- متطلبات مالية تقديرية للاتفاق على البرامج و المشرعات.
- متطلبات معلوماتية لتنفيذ المشروعات .
- متطلبات مادية ممثلة في التسهيلات اللازمة .
- متطلبات إدارية ممثلة في التنظيمات و الاختصاصات اللازمة لإدارة البرامج و الإشراف و الرقابة على تنفيذها .
- متطلبات تشريعية و قانونية إذا لزم الأمر.
سادسا: نظام الأولويات و الجداول الزمنية:
- الاتفاق على نظام محدد بدقة لأولويات تنفيذ البرامج و الخطط الإستراتيجية أي وضع سلم الأولويات للأهداف المراد الوصول إليها وفقا لعدة معايير منها التكلفة, و فورية الأثر, و مدى الحاجة و الآثار الجانبية على الأطراف المباشرة و غير المباشرة.
- وضع جدول زمني دقيق للفترات الزمنية الخاصة بتنفيذ البرامج و المشروعات و المراحل المختلفة لكل مشروع .
سابعا: تصميم مؤشرات المتابعة و التقييم:
- تصميم المؤشرات الكمية و النوعية لمتابعة و تقييم كل برنامج و المراحل المختلفة الخاصة به
- تصميم النماذج المناسبة و البرامج الخاصة بالحاسب الآلي اللازمة لعمليات المتابعة و التقييم.
- مراعاة تحديد المسؤولية عند تصميم أدوات و أساليب المتابعة و التقييم
ثامنا: عرض و مناقشة الإستراتيجية على المسؤولين:
- يتم عرض الإستراتيجية بشكل متكامل على المسؤولين في الإدارة العليا بالرغم من مشاركتهم السابقة في مختلف مراحلها.
- مناقشة الإستراتيجية من خلال العرض الشفوي مع المسؤولين و العاملين للتأكد من قبولها, مع إمكانية إجراء التعديلات أو الإضافات لمحتوياتها.
تاسعا:إصدار القرار من الجهة المسؤولة للتنفيذ:
- اعتماد الإستراتيجية بشكل رسمي و التصديق عليها من جانب المستويات الإدارية العليا.
- إصدار القرارات اللازمة لتنفيذ الخطط و البرامج و الحصول على المشاركة و التأييد من جميع المستويات المعينة بالإستراتيجية.
1- جون م براسيون، التخطيط الإستراتيجي للمؤسسات العامة وغير الربحية، ترجمة محمد: عزت عبد الموجود, ط1 ، لبنان, مكتبة لبنان ناشرون ،2003، ص22.